يحظى التعليم والتطوير المستمر بأهمية كبيرة في العصر الحديث الذي يجري بسرعة كبيرة ويشهد تطورات غير مسبوقة على مر التاريخ، وهو ما دفع المؤسسات للاستثمار في برامج التطوير والتدريب بغية تحسين مهارات الموظفين، وتعزيز إنتاجيتهم، وضمان استمرارية المنافسة في السوق. كثيراً ما يغفل أصحاب القرار عن التغذية الراجعة رغم أنها تؤدي دوراً بارزاً في نجاح برامج تدريب الموظفين. يبحث المقال في أهمية التغذية الراجعة ودورها في تعزيز فعالية برامج التدريب والتطوير وكيفية الاستفادة منها في تحسين جودة مبادرات تدريب الموظفين.
يجب فهم العوامل التي تتحكم في برامج التدريب والتطوير قبل البحث في دور التغذية الراجعة. تتنوع صيغ برامج التدريب، ويُذكَر منها تدريب وتطوير طاقم العمل، وتدريبات تعزيز المهارات الناعمة، ودورات الاستشارات الإدارية على سبيل المثال. يختص كل واحد من هذه البرامج في تحقيق غاية محددة ولتكن تطوير المهارات التقنية، أو القيادية، أو الناعمة على سبيل المثال.
لقد ازدادت أهمية تدريبات المهارات الناعمة في السنوات القليلة الماضية؛ حيث تشمل هذه المهارات التواصل الفعال، وحل المشكلات، والعمل المشترك ضمن الفريق، والقدرة على التكيف، والذكاء العاطفي، وهي تُعتبَر ضرورية لتحقيق التنمية الشخصية والمهنية في الوقت الحالي. وبالنتيجة، تتجه عديدٌ من الشركات لإجراء تدريبات المهارات الناعمة بغية تأهيل الموظفين لتحقيق النجاح والازدهار في ظل اشتداد المنافسة في العصر الحديث.
تُعد التغذية الراجعة من أهم مقومات نجاح برنامج التدريب، ويُذكَر من أهدافها ما يلي:
تتيح التغذية الراجعة للمدربين إمكانية تقييم فعالية طرائق التدريب ومواده، والتحقق من مستوى فهم المشاركين واندماجهم خلال التجربة.
تسهم التغذية الراجعة البنَّاءة في تحفيز المشاركين من خلال الإشارة إلى إمكاناتهم ونقاط الضعف في أدائهم، وهو ما يؤدي إلى تعزيز ثقتهم بأنفسهم ورغبتهم بتحقيق التميز والنجاح.
يمكن الاستفادة من بيانات التغذية الراجعة في تعديل برامج التدريب بحسب احتياجات المشاركين، وهو ما يضمن توافق البرنامج مع احتياجات ومتطلبات التطوير الفردية.
تتيح التغذية الراجعة للمدربين إمكانية تحسين تقنياتهم باستمرار، مما يساعد شركات التدريب في التفوق على المنافسين.
في ما يلي، 4 أنواع للتغذية الراجعة في مجال التدريب والتطوير:
يقدم المدرب تغذية راجعة مباشرة للمشاركين خلال الجلسات، ويمكن أن تتضمن تقييمات، أو شروحات، أو عبارات تشجيعية مباشرة ضمن الجلسة.
غالباً ما يشارك المتدربون في الأنشطة والمشاريع الجماعية، وقد تبين أنَّ تبادل التغذية الراجعة بين الأقران يتيح إمكانية التعلُّم من الزملاء والحصول على تقييم إضافي عن مستوى الأداء.
تشجيع المشاركين على تحليل مستوى تقدمهم وتقييم مهاراتهم بغية تعزيز الوعي والمحاسبة الذاتية.
تُستخدَم التقييمات واستطلاعات الرأي لجمع التغذية من المشاركين بعد انتهاء التدريب. تساعد هذه البيانات في تحسين برامج التدريب المستقبلية.
تبرز أهمية التغذية الراجعة بشكل خاص في تدريبات المهارات الناعمة. يُعَد التواصل الفعال على سبيل المثال مهارة ناعمة تتطلب الممارسة والتحسين المستمر، ويمكن الاستفادة من التغذية الراجعة في تحديد المهارات التي تحتاج للتطوير ويُذكَر منها الإصغاء الفعال، والتعاطف، والتواصل المقنع. تضمن التغذية الراجعة المنتظمة استمرارية تحسين هذه المهارات وهي غالباً ما تشكل عماد القيادة الفاعلة ونجاح عمل الفريق.
تؤدي التغذية الراجعة دوراً محورياً في تدريبات الاستشارات الإدارية؛ حيث يسعى المشاركون في هذه الدورات التدريبية إلى تطوير مهارات اتخاذ القرارات وقيادة الموظفين. تساعد التغذية الراجعة في تحديد الإجراءات والقرارات التي تؤثر في فِرَق العمل والمؤسسات، وإعداد إستراتيجيات تحسين الممارسات القيادية، وإجراءات حل المشكلات، واتخاذ القرارات الفعالة.
في ما يلي، 3 خطوات لتقديم التغذية الراجعة:
يمكن تحقيق أقصى فائدة ممكنة من التغذية الراجعة عن طريق توفير بيئة تشجع المشاركين على تبادل التغذية الراجعة بأريحية، وذلك من خلال الالتزام بالإجراءات التالية:
التشجيع على التواصل الصريح والشفاف خلال برنامج التدريب لكي يتمكن المشاركون من التعبير عن أفكارهم وهمومهم بأريحية.
يجب صياغة التغذية الراجعة بأسلوب بنَّاء بعيد عن الانتقاد وإصدار الأحكام، بحيث يدرك المشاركون أنها تهدف لتحسين الأداء لا للنقد وإحباط المعنويات.
جدولة متابعات دورية خلال برنامج التدريب من أجل مناقشة التقدم المُحرَز وحل المشكلات فور ظهورها.
تطبيق إجراءات جمع التغذية الراجعة مثل الجلسات الفردية، والنقاشات الجماعية، واستطلاعات الرأي مجهولة الهوية.
تقديم التغذية الراجعة هو فن قائم على المهارة والقدرة على إبداء التعاطف. في ما يلي، 5 عوامل تساعد في قبول التغذية الراجعة وتطبيقها على أرض الواقع:
يجب أن تكون التغذية الراجعة دقيقة وعملية لكي تسهم في تحقيق التطور المطلوب.
يجب أن تذكر التغذية الراجعة كل من نقاط القوة والضعف؛ حيث يسهم التوازن بين التغذية الراجعة الإيجابية والنقد البنَّاء في الحفاظ على الحماس والروح المعنوية العالية.
يجب تقديم التغذية الراجعة فور حدوث المشكلة وقبل أن ينساها المشاركون.
يجب تشجيع المشاركين على الإصغاء للتغذية الراجعة وطلب الحصول على توضيح او شرح إضافي عند الحاجة.
الاعتماد على التغذية الراجعة في وضع أهداف تنموية دقيقة، وقابلة للقياس والتحقيق، ووثيقة الصلة بالوضع الراهن، ومؤطرة زمنياً.
يجب أن تشجع ثقافة الشركة على تبادل التغذية الراجعة والسماح للمشاركين بإبداء رأيهم بالمدربين والبرنامج بحد ذاته. تضمن هذه السياسة التطوير المستمر وتوافق البرنامج مع الاحتياجات المتغيرة للمشاركين والمؤسسات.
يمكن توضيح أهمية التغذية الراجعة في برامج التدريب والتطوير من خلال دراستَي الحالة التاليتين:
تستثمر إحدى الشركات المتوسطة في تدريبات المهارات الناعمة الخاصة بفريق تطوير البرمجيات؛ حيث تعاقدت مع إحدى شركات التدريب لتصميم برنامج خاص باحتياجات المرحلة الراهنة.
في هذه الحالة:
حلقة التغذية الراجعة: تقوم الشركة بإنشاء حلقة تغذية راجعة مع المشاركين منذ اليوم الأول من التدريب. يجري المدرب تفقدات دورية مع المشاركين، ويطلب رأيهم بالبرنامج، ويعدله بناءً على تغذيتهم الراجعة.
النتائج:
تهدف منهجية التغذية الراجعة إلى تعزيز دور ومساهمة المشاركين في برنامج التدريب، وقد بينت التقارير أنَّ هذا الأسلوب يساعد في تحسين مهارات التواصل وهو ما يؤدي بدوره إلى زيادة مستوى التعاون بين أعضاء الفريق. لاحظت المؤسسة، بعد تطبيق هذه المنهجية، ارتفاع معدلات نجاح المشاريع ورضا العملاء.
أرسلت إحدى الشركات متعددة الجنسيات مجموعةً من المديرين للمشاركة في دورات الاستشارات الإدارية من أجل مساعدتهم في تطوير مهارات القيادة وحل المشكلات ومواجهة التحديات التي تفرضها تغيرات ظروف قطاع العمل.
في هذه الحالة:
تطبيق التغذية الراجعة: أُعطيت الأولوية للتغذية الراجعة في دورات الاستشارات الإدارية؛ حيث تلقى المشاركون تغذية راجعة عن الأسلوب القيادي، وإجراءات اتخاذ القرار، ومهارات التعامل مع الآخرين.
النتائج:
يتعامل المشاركون مع التغذية الراجعة على أنها فرصة للنمو، وتطوير الإمكانات، وترميم نقاط الضعف. لاحظت الشركة مع مرور الوقت تحسُّن عمليات اتخاذ القرارات، وتفاعلات أعضاء الفريق، وتعزيز القدرة على ابتكار الحلول الإبداعية للمشكلات المعقدة.
لقد ساهمت التكنولوجيا في تحسين إجراءات جمع التغذية الراجعة؛ حيث أتاحت منصات التعلُّم عبر الإنترنت، والاستبيانات الرقمية، والأدوات التحليلية لشركات ومؤسسات التدريب إمكانية جمع البيانات، وتحليلها، والاستفادة منها في اتخاذ القرارات بفعالية أكبر.
في ما يلي، 4 تطبيقات تبرز دور التكنولوجيا في تقديم التغذية الراجعة:
تقدم المنصات الإلكترونية ميزة تقديم التغذية الراجعة الفورية خلال جلسات التدريب، ويمكن أن يستخدم المدربون الأدوات التفاعلية لتقييم مستوى فهم المشاركين واندماجهم مباشرةً ضمن الجلسة.
تُستخدَم أدوات التحليل المتطورة لمعالجة كميات ضخمة من بيانات التغذية الراجعة بهدف استخلاص النتائج منها. تضمن هذه المنهجية استمرارية تحسين برامج التدريب مع مرور الوقت.
تتيح الأدوات التكنولوجية إمكانية إنشاء مسارات تعلم مخصصة بناءً على التغذية الراجعة التي يقدمها الأفراد. يمكن أن يتلقى المشاركون محتوى وتمارين مخصصة لتلبية احتياجاتهم.
قد أصبحت التغذية الراجعة بالغة الأهمية مع تزايد الاعتماد على العمل عن بُعد. تعتمد برامج التدريب الافتراضية على التغذية الراجعة الرقمية لضمان فعالية التعلُّم عن بُعد.
لقد أصبحت التغذية الراجعة بالغة الأهمية في مجال التدريب والتطوير، وهي تساعد في ترسيخ ثقافة التعلُّم المستمر، وتمكين المؤسسات من المنافسة في السوق. تستثمر الشركة في تنمية موظفيها وتطوير إمكاناتها عندما تعطي الأولوية للتغذية الراجعة في مبادرات التدريب والتطوير.