تتطور نماذج التعلم تدريجياً لتحل الصفوف التفاعلية مكان الطريقة التقليدية القائمة على التلقين؛ ففي هذا النموذج الجديد، يؤدي المدرِّب دور الميسِّر، أي أنَّه يركز على توجيه الطلاب وتحفيزهم لاكتشاف المعلومات بأنفسهم، ومناقشتها، وتطبيقها، مما يسهم في إثراء تجربة التدريب، وإعداد المتدربين للتعامل مع تعقيدات العالم الحديث؛ إذ تنبع أهمية هذا الأمر من ضرورة تطوير مناهج التدريس استجابةً للتحديثات التي تشهدها الصفوف الدراسية.
يبحث المقال في كيفية تمكين المدربين من الاستفادة من مهارات التيسير المتطورة لتلبية الاحتياجات المتنوعة للمتدربين، ويتطرَّق إلى الاستراتيجيات اللازمة لتحقيق ذلك.
يقتضي التيسير في سياق التدريب توجيه المتدربين، ودعمهم، وتشجيعهم على التعلم والمشاركة بنشاط في العملية، بدل الاكتفاء بتلقي المعلومات من خلال الإصغاء إلى محاضرة المدرب كما في الطرائق التقليدية. يسهم اعتماد تقنيات التيسير في الصفوف الدراسية في تنمية مهارات المتدربين في التفكير النقدي وحل المشكلات.
تُمكِّن مهارات التيسير المدربين من إجراء جلسات تفاعلية تشجع على النقاش، والبحث، وتبادل المعلومات؛ وتعزز نتائج التجربة، كما تسهم في تطوير مهارات التفكير النقدي، والتواصل، والتعامل مع الآخرين، وغيرها من المؤهلات الضرورية للمتدربين في الوقت الحالي من خلال التركيز على إرساء بيئة تعلم تعاونية، بدل الاكتفاء بنقل المعلومات من خلال إلقاء المحاضرات.
لتيسير عملية التعلُّم بفعالية – بدلاً من التلقين – يجب على المدربين استخدام مجموعة متنوعة من الأساليب التي تناسب أنماط التعلم المتنوعة، وتشجع على المشاركة الفعالة. في ما يلي، بعض الأساليب الأساسية التي تعزز مهارات التيسير لدى المدربين:
يمكن دمج أساليب مثل التعلم القائم على المشاريع، الذي يعمل فيه المتدربون على حل مشكلات واقعية، أو الأنشطة القائمة على الاستقصاء، التي تشجعهم على طرح الأسئلة والبحث عن الإجابات. تساعد هذه الأساليب في تقديم تدريب عملي يلبي احتياجات المتدربين.
يحفّز استخدم أسئلة مفتوحة التفكير العميق ويُتيح للمتدربين التوسع في الأفكار وفهم التفاصيل الدقيقة في المادة.
نظِّم المتدربين في مجموعات صغيرة لمناقشة المواضيع أو حل المشكلات معاً، مما يسهم في تحسين القدرة على العمل الجماعي من جهة، وتعزيز مهارات التواصل والقيادة من جهة أخرى.
امنح المتدربين فرصاً لتبادل التغذية الراجعة، ونظِّم جلسات تأملية للتفكير في ما تعلموه. يؤدي ذلك إلى تحسين تعلُّم المتدربين وتطوير مهاراتهم المعرفية.
ينجح تيسير التدريب عند توفير بيئة تشجع على التعلم وخوض المخاطر، ويستطيع المدربون إرساء ثقافة إيجابية في الصف من خلال ما يلي:
ضع توقعات واضحة للسلوك والتفاعل، واتَّبع هذه السلوكات بنفسك ليقتدي المتدربون بك؛ فحين يشعرون بالاحترام والأمان، يزداد احتمال خوضهم للمخاطرة والتفاعل مع المادة.
احتفِ بخلفيات المتدربين ووجهات نظرهم المتنوعة وقدّرها؛ إذ تزداد مستويات المشاركة والرضا في الصفوف الدراسية التي تشجع التنوع والشمولية.
اسمح للمتدربين بالتحكم في عملية التعلم قليلاً مثل: اختيار طريقة إكمال واجباتهم، أو اختيار المواضيع التي يرغبون في التوسع بدراستها. يسهم ذلك في تعزيز دوافعهم واهتمامهم بالتعلُّم.
تُعَد هذه الجوانب من ثقافة الصفوف الدراسية بالغة الأهمية لإرساء بيئة يشعر فيها المتدربون بالأمان في خوض المخاطر والتعلم من إخفاقاتهم، وهي عناصر أساسية للنمو والتعلم.
وفقاً لدراسة استقصائية، أفاد 85% من المدربين بأنَّ أدوات التعاون الرقمي، حسَّنت مشاركة المتدربين وتواصلهم في الصف. يستطيع المدربون الاستفادة من مجموعة من الأدوات الرقمية لتعزيز فعالية استراتيجيات التيسير، مما يجعل التعلم أكثر سهولةً وتفاعليةً. في ما يلي، بعض الطرائق التي يمكن من خلالها دمج التكنولوجيا لتعزيز التيسير التعليمي:
توفر أدوات مثل: "بادليت" (Padlet) أو "ميرو" (Miro) سبورة بيضاء تفاعلية تتيح للمتدربين التعاون، ومشاركة الأفكار، والعمل معاً على المشاريع من مواقع جغرافية مختلفة، مما يعزز العمل الجماعي، حتى في البيئات الافتراضية.
تُسهِّل منصات مثل: "مودل" (Moodle)، و"كانفاس" (Canvas)، و"بلاك بورد" (Blackboard) إدارة الدورات التدريبية، وتتيح استخدام مصادر متنوعة من الوسائط المتعددة. تدعم هذه الأنظمة نماذج الصف المقلوب والتعلم المدمج. يستطيع المتدربون الوصول إلى المحاضرات على الإنترنت وتخصيص الوقت في الصف للمناقشات التفاعلية والأنشطة العملية.
تقدم الاختبارات والتقييمات الرقمية تغذية راجعة فورية للمتدربين، مما يساعدهم في تقييم تقدمهم، وتحديد الجوانب التي تتطلب التحسين. تُسهِّل أدوات مثل: "غوغل فورمز" (Google Forms) و"كويزيز" (Quizizz) على المدربين تقييم التعلُّم، وتضفي المتعة والتفاعل على عملية التقييم.
تُحدِث هذه التقنيات نقلة نوعية في طريقة تقديم المحتوى التعليمي من خلال تقديم المتدربين إلى بيئات افتراضية تُحاكي سيناريوهات العالم الحقيقي. تزداد فعالية تقنيات الواقع المعزز والافتراضي في المواد العملية مثل: العلوم، والطب، والتاريخ.
على الرغم من أنَّ التيسير يُحسِّن نتائج التعلم، إلا أنَّ المدربين يواجهون تحديات عديدة قد تُعيق فعاليتهم؛ لذا، ينبغي معالجة هذه التحديات لتحقيق النجاح. في ما يلي، بعض الطرائق للتعامل معها:
يختلف أسلوب تعلم كل متدرب عن غيره؛ لذا، ينبغي أن يستخدم الميسِّرون طرائق متنوعة لتلبية أساليب التعلم المختلفة، وضمان تفاعل المتدربين جميعاً مع المادة بالطريقة التي تناسبهم.
يُعَد العمل الجماعي من أساسيات تيسير التدريب، ولكنَّه يؤدي أحياناً إلى مشاركة بعض الأفراد أكثر من غيرهم، أو عدم تفاعل آخرين. لذا، يجب على المدربين إدارة هذه التفاعلات، وضمان إعطاء كل متدرب فرصة للمشاركة في الأنشطة الجماعية.
على الرغم من أنَّ التكنولوجيا تعزز التعلم، إلا أنَّ سوء استخدامها قد يؤدي إلى تشتيت الانتباه، أو تقليل التفاعل المباشر. لذا، يجب على المدربين استخدام التكنولوجيا بعناية بطرائق تعزز تجربة التعلم.
يُعَد التطوير المهني المستمر (CPD) أمراً بالغ الأهمية لمواكبة أحدث الاستراتيجيات والتقنيات التعليمية. يتخذ التطوير المهني المستمر أشكالاً متعددة، منها:
تُعَد هذه الفعاليات فرصاً رائعةً ليتعلم المدربون تقنيات جديدة للتيسير، واكتشاف أحدث التقنيات التعليمية، والتواصل مع أقرانهم.
تقدم عديدٌ من المؤسسات دورات يستطيع المدربين متابعتها بوتيرتهم الخاصة لتحسين مهاراتهم والحصول على شهادات في مجالات محددة، مثل المعرفة الرقمية أو التعليم الخاص.
يوفر العمل مع الأقران أو البحث عن منتور للمدربين الدعم والأفكار الجديدة لإثراء ممارساتهم التدريسية. يؤدي هذا النهج التعاوني إلى تحسين أساليب التدريس وتحسين نتائج المتدربين.
يشير التيسير التعليمي إلى مجموعة من الممارسات التي يستخدمها المدربون لإنشاء بيئة تعلم تفاعلية تشجع على مشاركة المتدربين وتعاونهم.
تُعَد هذه المهارات أساسية؛ لأنَّها تساعد المدربين في إدارة الصفوف الدراسية المتنوعة بفعالية، وإشراك الطلاب، وإرساء بيئة شاملة تعزز التعلم والتطوير.
تشمل هذه التقنيات استخدام أدوات تفاعلية، وإنشاء أنشطة جماعية تشجع على التعاون، وتطبيق استراتيجيات تضمن مشاركة المتدربين وتفاعلهم جميعاً.
تسهّل التكنولوجيا عملية التيسير، من خلال توفير أدوات تجعل التعلم تفاعلياً، وتتيح الوصول إلى مصادر تعلم متنوعة، وتعزز التعاون بين المتدربين عن طريق المنصات الرقمية.
تشمل التحديات الشائعة إدارة مجموعة متنوعة من المتدربين، ومعالجة مستويات المشاركة المتفاوتة، واستخدام التقنيات الجديدة بفعالية دون إلغاء دور أساليب التدريب التقليدية.
يسهم المدربون من خلال صقل مهاراتهم في التيسير في إرساء بيئة تعلم تتسم بالتفاعلية والشمولية. من الهام تبني هذه المهارات لضمان نجاح المتدربين في الصفوف، وتحقيق أهداف التدريب الحديث. يضمن المدربون استعداد المتدربين لمواجهة تحديات المستقبل من خلال إرساء بيئة تتيح لهم التفاعل والتعاون، وتعزز مهاراتهم التكنولوجية.
مع التزام المدربين بصقل مهاراتهم في التيسير، سيتمكنون من إدارة الصفوف الدراسية والمشاريع التعليمية لتحقيق نتائج ناجحة.