يتم التعلم التجريبي عن طريق التطبيق والممارسة، وهو يُعَدُّ نموذجاً هاماً وفقاً لأبحاث ودراسات علم النفس التربوي، كما أنَّه يختلف تماماً عن التعلم الأكاديمي التقليدي، فقد طوَّر عالم النفس "ديفيد كولب" (David Kolb) نظرية التعلم التجريبي خلال فترة السبعينيات متأثراً بأبحاث ونظريات عدد من العلماء وعلى رأسهم الباحث "جون ديوي" (John Dewey).
إذا كان أحدهم يتعلم أداة برمجية ما عن طريق قراءة كتاب، فهذا يعني أنَّه يعتمد على مفاهيم ووجهات نظر الآخرين المتعلقة بالموضوع، كما أنَّه يستخدم الكتاب النظري المجرد في الحصول على المعلومات.
يقتضي التعلم التجريبي من ناحية أخرى استخدام الأداة البرمجية في تطبيقات عملية مباشرة على الحاسب؛ إذ يتسنى للمتعلم بهذه الطريقة أن يلاحظ، ويجرب، ويكتشف بنفسه، ويفكر، ويستخلص نتائج خاصة به، وتساعد العملية المتدربين على اكتساب خبرة تطبيقية مباشرة عن طريق التفاعل مع الآخرين وحل المشكلات.
قدَّم العالِم "كولب" نموذج التعلم التجريبي الذي يتم وفق الخطوات الآتية:
تتكرر الحلقة باستمرار؛ لأنَّ الاختبارات تفضي إلى مزيد من التجارب الجديدة التي يدرسها المتدرِّب بتمعُّن ويكمل باقي خطوات الحلقة، وتكمن فاعلية النموذج التجريبي في مرحلة "تحليل التجربة"، فيجب أن توفِّر بيئة التجربة إمكانية تحليلها ودراستها بعمق ومقارنتها مع سابقتها وتكوين أفكار جديدة.
تُعَدُّ "طريقة الأتيليه" (Atelier Method) من أهم تطبيقات التعلم التجريبي على أرض الواقع، وهي تُستخدَم لتدريب الفنانين منذ فترة زمنية طويلة، وقد نتج عن تطبيقها مجموعة من أجمل الأعمال الفنية على مر التاريخ.
يشجع التعلم التجريبي الأفراد على الاعتماد على أنفسهم في أثناء الدراسة والتدريب، واكتشاف التقنيات التي تناسبهم، وتقييم أدائهم عند تطبيق التجربة على أرض الواقع؛ إذ تزداد احتمالات نجاح التدريب والاحتفاظ بالمعلومات على الأمد الطويل والاستفادة منها في التجارب المستقبلية عند تشجيع المتعلم على تطبيق المواد التعليمية على أرض الواقع بدل دراسة المعلومات بشكل نظري بحت.
يتطلب التعلم التجريبي استعداد المتدرِّب لتطبيق هذه الطريقة، ومن ثمَّ يجب أن تقنعه باستخدامات وتطبيقات المحتوى قبل بدء التدريب، وكذلك يحتاج الفرد البالغ إلى تكوين فكرة واضحة عن أهداف المحتوى وتطبيقاته العملية، ولا سيما في حالة التعلم التجريبي؛ لأنَّه يعتمد على الفرد اعتماداً كاملاً.
يقوم المتدرِّب بإجراء التجربة، ودراستها، وتحليلها، وتكوين نظريات جديدة بالاعتماد على نفسه وحسب، فقد لا يلتزم الفرد البالغ ويبذل جهده ما لم يكن مقتنعاً بفائدة المحتوى ودوره في تحقيق أهدافه.
يتم التعلم التقليدي عن طريق إلقاء المحاضرات على مجموعة من الأفراد في الصف، ويقتصر دور المتدرِّب في هذه الحالة على الإصغاء والاستيعاب، وقد أثبتت دراسات عدة وجود مجموعة من المشكلات المرتبطة بطريقة التدريب التقليدية، ويُذكَر منها ما يأتي:
قد يضطر المدرِّب لتكرار الموضوع مرات عدة حتى يستوعبه المتدربون الحاضرون، وهذا يعني أنَّه يهدر كثيراً من الوقت.
يقوم المدرِّب في حالة التدريب التقليدي بمعظم العمل، فهو المسؤول عن الكلام والشرح والتفكير، في حين يقتصر دور المتدرِّب على الإصغاء، فقد أثبتت دراسات عدة أنَّ مدة انتباه الإنسان أقصر بكثير من مدة الجلسة النموذجية؛ لهذا السبب، قد يفقد المتدرِّب انتباهه، ويعجز عن المتابعة والتركيز مع المدرِّب، وقد يلجأ إلى أحلام اليقظة والتصورات الذهنية، أو يفقد اهتمامه بالموضوع بكل بساطة.
يقوم المدرِّب بحالة التعلم التقليدي بتلقين المعلومات للمتدربين، فلا تتيح بيئة التدريب التقليدية للمتدربين إمكانية التعلم من بعضهم، كما لا يتسنى للمدرِّب أن يدرك المشكلات التي يواجهها المتدربون أو أن يحدد الموضوعات التي تحتاج إلى مزيد من الشرح والتوضيح.
لا يتسنى للمدرِّب بهذه الطريقة أن يكوِّن فكرة واضحة عن أنماط تعلُّم المتدربين، وإنَّه يتعامل مع جميع الحاضرين بنفس الطريقة دون أن يأخذ في الحسبان أنماط التعلم والقدرات الخاصة بكل فرد؛ وبالنتيجة لا يحقق التدريب النتائج المرجوة.
يقوم المدرِّب الناجح بتأمين بيئة تتيح للمتدربين إمكانية التعلم من تلقاء أنفسهم، والتفاعل مع بعضهم بهدف تبادل المعارف والخبرات، بحيث لا يكون المدرِّب المصدر الحصري للمعلومات؛ إذ يشجع التدريب في مثل هذه الحالة على البحث، والاستكشاف، والتفكير الذاتي، والتجربة العملية، ويتطلب تحقيق هذه الشروط وجود مدرِّب متمكِّن وتأمين بيئة تدريب غامر.
فيما يأتي 5 خطوات لإنشاء بيئة مناسبة للتدريب التجريبي:
يتم ذلك عن طريق إجراء التدريب ضمن البيئة التي سيطبق فيها المتدربون المهارات الجديدة، فعلى سبيل المثال، قد تجري تدريب الرسم ضمن مرسم مليء باللوحات والأدوات، بدل أن تشرح المعلومات في صف دراسي تقليدي خالٍ من الأدوات الفنية، أو المحتوى الإبداعي الذي يحفز الإلهام.
يجب أن تؤمِّن بيئة تشغل الحواس الخمس للمتدرِّب قدر الإمكان، فإذا كان التعرف إلى رائحة بعض المكونات ضرورياً لتوضيح المعلومات، عندئذٍ يجب أن تحرص على تأمين هذه المواد ضمن الجلسة حتى يشمها المتدرِّب ويميز رائحتها بنفسه، وينطبق نفس المفهوم على الأصوات والعناصر المرئية، فقد تتحسن عملية التعلم والتذكر عندما تشغل التقنيات والأساليب التعليمية حواس المتدرِّب، ولا سيما إذا كان يفضل نمط التعلم التطبيقي.
يجب عليك أن تؤمِّن بيئة تشجع المتدربين على التفاعل والتعلم من بعضهم ومنك على حدٍّ سواء، فقد يتعذر على المتدربين التفاعل مع بعضهم عند ترتيب الصف بالطريقة التقليدية بحيث يتجه جميع الحاضرين نحو المدرِّب؛ لهذا السبب، يجب أن تحرص على ترتيب المقاعد بشكل حرف (U).
يتم ذلك عن طريق تأمين مواد محسوسة وأدوات رقمية تتعلق بموضوع التدريب بحيث يتسنى للمتدربين ملاحظتها واستكشافها؛ إذ يقتضي نموذج التعلم التجريبي تشجيع المتدربين على الملاحظة والتفكير، وهو يتطلب تأمين بيئة وتمرينات ومواد تساعدهم على إجراء هذه الملاحظات، فقد لا تنجح عملية التدريب التجريبي عند إجرائها ضمن صف فارغ.
يتم في المرحلة الأولى من النموذج التجريبي التفكير بالمعلومات وتحليلها واستنتاج أفكار ومفاهيم جديدة عن موضوع التدريب، عن طريق الملاحظة التأملية وصياغة المفاهيم المجردة، في حين تقتضي المرحلة الثانية تطبيق التجارب بشكل فعلي على أرض الواقع.
هذا يعني أنَّ المتدرِّب يتحقق من صحة أفكاره ونظرياته عن طريق تطبيق التجارب؛ لهذا السبب، يجب أن تؤمِّن بيئة تساعده في هذه المرحلة، وتحرص على توفير الأدوات، والتجهيزات، والمواد، والبرمجيات، والإنترنت وغيرها من المستلزمات الضرورية لإجراء التجارب.
يقول الفيلسوف الصيني "كونفوشيوس" (Confucius): "أخبرني سوف أنسى، أَرِني لعلي أتذكر، دعني أجرب بنفسي وعندها سأفهم".
يجب عليك أن تعمل بجد لكي تصبح مدرِّباً ميسِّراً؛ إذ يميل المدرِّب نظراً لخبرته إلى الاستفاضة بالشروحات، بحيث تصبح الجلسة أشبه بالمحاضرة التقليدية التي تعتمد على شروحات المدرِّب النظرية وحسب في الحصول على المعلومات، وقد يضطر المدرِّب لبذل مجهود إضافي عندما يقرر استخدام الأسئلة الإيحائية والأمثلة التوضيحية التي توجِّه المتعلم عند تطبيق التعلم التجريبي.
فيما يأتي 10 خطوات تؤهلك لتصبح مدرِّباً ميسِّراً وتساعدك على تطبيق نموذج التعلم التجريبي:
يجب أن تثير حماسة المتدربين تجاه موضوع التدريب بهدف تشجيعهم على التعلم والبحث الذاتي.
يجب أن تبيِّن للمتدربين فاعلية ودور محتوى التدريب والأفكار والمفاهيم المستخلَصة منه في مساعدتهم على تحقيق أهدافهم المهنية.
يتم ذلك عن طريق تشجيع المتدربين على البحث والاستكشاف بالاعتماد على أنفسهم بعد تقديم الإرشادات والتعليمات الأولية.
يجب أن تحضِّر الأسئلة قبل بدء التدريب؛ لأنَّ ارتجالها في أثناء الجلسات صعب للغاية.
يتسنى للمتدرِّب استبقاء المعلومات على الأمد الطويل والاستفادة منها في المستقبل عند تقديم تمرينات مبتكَرة تشغل كافة حواسه.
يجب أن تشجع المتدربين على المشاركة واستخدام الأدوات التفاعلية التي تساعدهم على تحفيز حواسهم واندماجهم بالتدريب.
قد تزيد مستوى التفاعل بشكل منظم عن طريق استخدام التمرينات وطريقة أداء الأدوار، كما يجب أن توضح للمتدربين المطلوب ولا تتركهم في حيرة من أمرهم، ويُفضَّل استخدام حلول إبداعية تهدف لإثارة فضول المتدربين، وحماستهم، والتزامهم، وقدرتهم على حل المشكلات.
يُستحسَن أن تستبدل الشروحات النظرية الرتيبة بمواد تحفز المتدربين على التفكير وتدفعهم لتقييم معارفهم حول الموضوع، وتساعدهم على تجاوز المعتقدات التي تقيِّدهم والمعلومات القديمة التي لم تعد صالحة؛ إذ يصبح المتدرِّب في هذه الحالة جاهزاً لتلقِّي المعلومات والاكتشافات الجديدة.
يقتضي التعلم التجريبي تشجيع المتدربين على الاندماج والمشاركة والتفكير الفعال.
يساهم المديح في تشجيع المتدربين على بذل قصارى جهدهم في عمليات البحث، والتفكير، والتحليل، والتجريب في أثناء تطبيق خطوات التعلم التجريبي.
وضع الباحثان "جونز" (Jones) و"فايفر" (Pfeiffer) نموذج "دورة التعلم التجريبي المؤلفة من 5 خطوات" بالاعتماد على أبحاث العالم "كولب"؛ إذ يتألف النموذج من 5 مراحل على الشكل الآتي:
"دورة التعلم التجريبي المؤلفة من 5 خطوات":
يقوم المتدربون بتأدية نشاط ما بمفردهم دون الاستعانة بالمدرِّب.
يشارك المتدربون النتائج والملاحظات مع بعضهم بعضاً، ويُطلَق على هذه المرحلة أيضاً اسم "النشر".
يتم تحفيز المتدربين على التفكير بالتجربة وتحليلها.
يقوم المتدربون بتعميم تجاربهم وتحليلها عن طريق ربطها مع أمثلة من الواقع.
استخدام التمرينات التي تحاكي التطبيقات العملية حتى يتسنى للمتدرب أن يقارنها مع ما تعلمه للتو من التجربة.
يقوم المتدربون في هذه المرحلة بتطبيق ما تعلموه على حالة أخرى.
يجب أن تساعد المتدربين على فهم التجربة وتطبيقاتها في الحياة العملية، وتحليلها، ودراستها، والاستفادة منها في حياتهم المهنية.
هذا النموذج بسيط ومنظم وفعال عندما يُستخدَم بطريقة هادفة ضمن بيئة التدريب.
وضع الباحثان "جاكوبسون" (Jacobson)، و"رودي" (Ruddy) طريقة عملية تعتمد على طرح الأسئلة بالاعتماد على نموذج دورة التعلم التجريبي؛ إذ تساعد الأسئلة المدرِّب الميسِّر على إعداد الأسئلة الإيحائية المستخدَمة في التعلم التجريبي.
فيما يأتي الأسئلة الواردة في "نموذج الأسئلة الخمسة":
يتم تصميم الدورات والمواد التدريبية بالاعتماد على تقنيات التعلم التجريبي بهدف تلبية حاجتين اثنتين:
يجب التركيز على الإجراءين الآتيين في أثناء إعداد المواد التدريبية:
يجب إرفاق المحتوى بمجموعة من التمرينات الشاملة لتشجيع المتدربين على تطبيق المهارات الجديدة، والتخلص من العادات السيئة، واستبدالها بأخرى أحسن منها.
يجب تزويد المدربين بمجموعة من الأدلة الإرشادية لمساعدتهم على زيادة تفاعل واندماج المتدربين، والحفاظ على اهتمامهم بالموضوع، ودفعهم إلى التشكيك بمهاراتهم وافتراضاتهم الحالية؛ إذ تُعَدُّ هذه الطريقة فعالة في تلقين المهارات الناعمة؛ لأنَّ معظم الناس يستخدمون طريقة التجربة والخطأ في تنمية مهاراتهم، وقد لا يشككون في عدد من سلوكاتهم، فالخطوة الأولى لتعليم مهارة ناعمة جديدة هي افتراض أنَّهم يستخدمونها على نحو خاطئ.