لقد قدَّم الجزء الأول من المقال شرحاً مفصلاً عن سلوكات المتدربين عند التسجيل في الدورات التدريبية والعوائق التي تمنعهم من مواصلة التعلم عن طريق تقديم مثال نموذجي، وتمت مناقشة الطريقة الأولى لتحفيز المتدربين بشكل مفصل واقتراح عدد وافٍ من الحلول، وسيقدِّم الجزء الثاني والأخير بقية الطرائق المستخدَمة في تحفيز المتدربين، فتابعوا معنا السطور القادمة.
بالعودة إلى مثال الرسم الزيتي الوارد في الجزء الأول من المقال، أنت متحمس لممارسة الرسم الزيتي، ولكنَّه ما يزال نشاطاً جديداً وثانوياً بالمقارنة مع التزاماتك وعاداتك الثابتة، فيجب أن تبذل جهدك لتحويل موضوع اهتمامك إلى عادة جديدة ترغب بممارستها بشكل عفوي وتلقائي دون تخطيط مسبَق.
يصبح الرسم مهمة شاقة ويتعذر على الفرد تقديم عمل فني مقبول عندما لا يعتاد عليه، فأنت مبتدئ في مجال الرسم، ولكنَّك تعي متطلبات تحسين جودة عملك، فقد يتطور إحساس الفرد بالجمال في حالة الرسم الزيتي بشكل أسرع من تحسُّن مهارة الرسم بحد ذاتها، ويصبح قادراً على ملاحظة الأخطاء والعيوب في أعماله، ولكنَّه يفتقر إلى المهارة اللازمة لتصويب هذه العيوب بوصفه مبتدئاً في المجال، وهو ما يؤدي إلى شعوره بالإحباط.
يتطلب الجد والمثابرة على تعلُّم مهارة ما توفُّر الدافع والاستعداد النفسي اللازم لبدء العمل على المهام والتطبيقات المطلوبة، فقد يميل الفرد إلى التسويف وتجنُّب القيام بالمهام المطلوبة عندما يكون مفتقراً إلى الحماسة اللازمة.
يؤدي نفورك ومقاومتك إلى عودتك لعاداتك ونمط حياتك القديم، كما أنَّك ستنسى موضوع اهتمامك عن بكرة أبيه، ويصبح مجرد فكرة عابرة خطرَت لك وانتهت بسرعة.
يمكنك أن تقرأ كتاب "حرب الفن" (The War of Art) للمؤلف "ستيفن بريسفيلد" (Steven Pressfield) لتتخلص من مشكلة التسويف وتجنب القيام بالمهام المطلوبة.
يجب أن تبذل جهدك في تحويل هذا النشاط الجديد إلى عادة؛ إذ تتكون حلقة العادة من 3 عناصر؛ المحفِّز، والروتين، والمكافأة وفقاً للمؤلف الأمريكي "تشارلز دويج" (Charles Duhigg).
يمكنك على سبيل المثال أن تخصص غرفة للرسم في منزلك، بحيث يصبح الدخول إلى هذه الغرفة بمنزلة محفِّز يدفعك لالتقاط الأدوات والألوان والشروع بالرسم.
يؤدي تكرار العملية والتعرض للمحفز مرة بعد أخرى إلى تشكيل روتين ثابت يحفزك على ممارسة الرسم، ويصبح الرسم نتيجة طبيعية عندما تستعد نفسياً وتهيئ الظروف المناسبة والبيئة التي تحتاج إليها، فلن تلجأ للتسويف في مثل هذه الحالة، ولن تحاول تجنب ممارسة الرسم أو المهام المرتبطة به.
ستلاحظ تحسُّن مستواك في الرسم مرة بعد أخرى، وهذا يعني أنَّ تقدُّمك يصبح بمنزلة "مكافأة" تكمل حلقة تكوين العادة، ويمكنك أن تكافئ نفسك أيضاً على الجهد الذي بذلتَه والتقدم الذي أحرزتَه، وقد تشمل المكافأة شراء شيء ترغب به وليكن فرشاة رسم باهظة الثمن على سبيل المثال.
يجب عليك أن تساعد المتدربين على تكوين عادة تربطهم بمحتوى وممارسات الدورة التدريبية، وعناصر حلقة العادة هي:
فيما يأتي 3 تقنيات لمساعدة المتدربين على تكوين المحفِّز:
تهدف هذه التقنية إلى مساعدتهم على تكوين روتين خاص بهم ضمن بيئتهم، بحيث تصبح هذه البيئة بمنزلة محفز يدفعهم إلى ممارسة موضوع التدريب، وقد لا يخطر للطالب أن يكوِّن هذه البيئة من تلقاء نفسه إذا لم تكلفه بالمهام والمشاريع اللازمة.
فيما يأتي 4 تقنيات لمساعدة المتدربين على تشكيل الروتين:
فيما يأتي 3 تقنيات لتكوين عنصر المكافأة:
قد يدرك المتدرب أنَّك لا تراه مؤهَّلاً وموهوباً ويفقد حماسته ودافعه، فقد يركز بعض المدربين على المتدربين المميزين ويمدحون أداءهم بطريقة تجعل أقرانهم العاديين يظنون أنَّهم فاشلون، وهو ما يؤدي إلى شعورهم بالإحباط وفقدان الحماسة.
ينعدم الحافز في معظم الأحيان عندما لا يكون الفرد متحمساً حيال موضوع التدريب، ولا يعبأ به، ويحدث هذا عندما لا تمتلك معلومات كافية عن الموضوع، وقد تعتقد أنَّ مجال التدريب لا يناسبك، وتكمن المشكلة في هذه الحالة في أنَّك لم تعطِ نفسك وقتاً كافياً لاستكشاف الموضوع وتقصِّي جوانبه وتسرَّعتَ بالحكم عليه.
تزداد حماسة الفرد عندما يكتسب مزيداً من المعلومات عن مجال ما؛ لهذا السبب، يجب عليك أن تبدأ بإجراء الأبحاث، والقراءة، وتطبيق التجارب والتمرينات حتى تتخلص من مشكلة لا مبالاتك وكسلك، وتحفز نفسك؛ أي يجب عليك بكل بساطة أن تبذل جهدك ووقتك في جمع مزيد من المعلومات عن المجال.
يتم ذلك عن طريق تشجيع المتدربين على اتباع "قاعدة عشر دقائق" (The 10-Minute Rule) التي تقتضي الالتزام بالنشاط التعليمي لمدة 10 دقائق فقط، فلن يمانع المتدرب الالتزام بمهمة بسيطة، ولن يحاول اختلاق الأعذار لتجنُّبها، كما أنَّه لن يشعر بمرور الوقت، فلا يضطر الإنسان عموماً لتحفيز نفسه حتى يقوم بمهمة قصيرة وبسيطة.
يتحمس المتدرب حالما يبدأ ويفقد الإحساس بمرور الوقت ويقضي أكثر من 10 دقائق على المهمة؛ إذ تساعد هذه التقنية على التخلص من مشكلة التسويف والكسل والاندماج في النشاط التعليمي؛ لذا يُستحسَن أن تسأل المتدربين في بداية كل جلسة عن انطباعاتهم والجوانب التي حازت على إعجابهم ورضاهم في الجلسة السابقة، وفيما يأتي 3 فوائد قيِّمة لهذه الأسئلة:
يتسنى للطالب في هذه الحالة أن يفكر بتجربته الشخصية، ويحدد الإجراءات التي أعجبَته ويشاركها مع الآخرين، وهو ما يساعده على الحفاظ على تركيزه وحماسته خلال النشاطات التعليمية التالية، ومن الطبيعي أن يندمج المتدرب ويتفاعل أكثر مع النشاطات والمحاور التي أعجبَته وشاركها مع زملائه.
يتسنى للطالب أن يعرف النشاطات التي حازت على إعجاب أقرانه، ويطَّلع على بعض الجوانب التي لم يكن يعرفها من قبل، كما يمكنه أن يتواصل مع أشخاص يشتركون معه في نفس الاهتمامات ووجهات النظر، وهو ما يؤدي إلى تحفيزه وزيادة حماسته ورغبته بالتعلُّم.
يتسنى للمدرِّب أن يطَّلع على التمرينات والنشاطات والمحاور التي أعجبت المتدربين، ويركز عليها في الجلسات المقبلة، ويقدِّم محتوى يتوافق مع اهتماماتهم ويزيد من حماستهم، ويقترح عليهم مصادر تُزوِّدهم بالمعلومات التي يحتاجون إليها، ويكلِّفهم بتمرينات ومهام وتحديات تعجبهم وتحفزهم على التعلم.
ليس ثمة أسوأ من إصرار المدرِّب على الالتزام بالخطة التعليمية والمنهج الذي أعدَّه مسبقاً دون أن يأخذ في الحسبان آراء المتدربين وانطباعاتهم عن المحتوى الذي يقدِّمه.
أحياناً يتعذر على الفرد مواصلة النشاطات التعليمية بسبب كثرة الانشغالات والضغوطات التي تجرِّده من الحماسة التي يحتاج إليها لمتابعة التعلم، ولا يتسنى للفرد أن يتابع كافة اهتماماته بسبب ضيق الوقت، وكثرة الانشغالات المترتبة عليه؛ لهذا السبب، يتحمس بعض الناس حيال موضوع أو مجال ما، ويحاولون تعلُّمه لبعض الوقت، ولكنَّهم سرعان ما يتوقفون نتيجة انشغالهم بجوانب الحياة الأخرى.
يكمن حل المشكلة في ترتيب الأولويات؛ لأنَّه يساعدك على تحديد الأعمال الضرورية وتوفير الوقت الذي تحتاج إليه لمتابعة نشاطاتك التعليمية، والتخلص من مشكلة التسويف.
يجب عليك أن تبيِّن للمتدربين مدى أهمية موضوع الدورة التدريبية وفائدته في الحياة العملية، فإذا كان النشاط التعليمي يتعلق بوظائفهم، عندئذٍ يجب عليك أن توضح لهم الفوائد المتوقَّعة من العملية التعليمية على صعيد حياتهم المهنية، كما يمكنك أن تشجعهم على البحث عن فوائد التدريب ودور المهارات الجديدة في مساعدتهم على إحراز التقدم في حياتهم المهنية.
يجب عليك أن تُبيِّن لهم الحاجة إلى التدريب قبل بداية البرنامج التدريبي، وتوضِّح لهم في نهايته تطبيقات وممارسات التدريب في الحياة العملية الشخصية والمهنية على حدٍّ سواء.
يتطلب تحفيز المتدرب توفير الظروف والبيئة التعليمية التي تناسبه، ومساعدته على تحديد رغباته واهتماماته، وتكوين العادات التي يحتاج إليها، وترتيب أولوياته حتى يتسنى له في نهاية المطاف أن يتقن المهارات والمعارف الجديدة.